العلمانية المؤمنة -الجزء الثاني

العلمانية المؤمنة -الجزء الثاني

  • العلمانية المؤمنة -الجزء الثاني

اخرى قبل 3 سنة

العلمانية المؤمنة -الجزء الثاني

 د.سالم سرية- اكاديمي وكاتب ( فلسطين)

 البريدالالكتروني: ssirrieh@gmail.com

العلمانية في التراث العربي: ان هناك تصورا شائعا في الادبيات المعاصرة ان هذا المصطلح جرى نحته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لكلمة Laicitie . وفي دراسة صدرت عن المركز العربي للأبحاث ، في إبريل/ نيسان 2020، يستكمل عزمي بشارة (5) جهده المتواصل، خلف مصطلح العلمانية، أصله وفصله، ويستدعي نصوصا تراثية تثبت بالقطع أن التراث العربي عرف مفردة العَلمانية، كما نعرفها اليوم، عرفها نسبة إلى العَالم، وتمييزا بين المشتغلين بالكهانة وغيرهم من المدنيين، كما أن العرب كانوا ينطقونها بالفتح كما ننطقها اليوم، هكذا عرفوها، وهكذا عبروا عنها، فالعَلمانية لها "أصل" عربي، لا هي دخيلة، ولا هي "مكسورة" العين. ويستدعي بشارة نصا من كتاب "تاريخ الأنطاكي"، استفاده من جهد الباحث رائد السمهوري في معجم الدوحة التاريخي، وهو نصٌّ من القرن الخامس الهجري، يصف فيه الأنطاكي تفاصيل معركةٍ دارت بين بطريرك الإسكندرية، سعيد بن البطريق، واثنين من الأساقفة، كرهوا رئاسته، وانشقّوا عنه، وانحاز لهما بعض المسيحيين، من غير رجال الدين. يقول في وصف الفريقين إنهم: "تحزّبوا حزبين، فصار حزب من الكهنة والعَلمانيين مع البطريرك، وحزب منهم عليه"، والإشارة واضحة، فالكهنة هم رجال الدين، والعَلمانيون هم المواطنون العاديون، من رعايا الكنيسة .كما يورد عزمي بشارة نصا ثانيا، لابن سباع، في كتابه الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة، يستخدم فيه المؤلف كلمة عَلماني وعَلمانيين عدة مرات ويقدّم دليلا أكثر وضوحا على استخدام الكلمة بفتح العين، عَلمانية نسبة إلى العالم، لا إلى العلم، إذ تأتي الكلمة بالفتحة، ويبدو التشكيل واضحا لا لبس فيه .كما قام جورج طرابيشي بالتنقيب عن اصل هذا المصطلح اتاح لنا ان نربطه باللاهوت المسيحي المكتوب بالعربية وهذا منذ القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي على الأقل. ففي كتاب بعنوان (مصباح العقل/ ابن المقفع)(6) وضعه الاسقف القبطي سايروس ابن المقفع(الكاتب في الدولة الاخشيدية في العصر الفاطمي) مولود عام915م حيث قال في معرض الكلام عن خلاف الطوائف المسيحية حول زواج الكاهن قال: اما المصريون فرأوا ان يكون الاسقف بتولا( لم يتزوج ) في حال عَلمانيته . ان السياق الذي وردت فيه كلمة عَلمانية هو التمييز في الاسقف بين طوره الدنيوي وطوره الكنسي اذ يشترط فيه البتولية في حال (عَلمانيته ) .فلا مجال للشك في ان عين (العلمانية) ينبغي ان تعجم بالفتحة لا بالكسرة لانها لا تحيل الى العِلم بل الى العَالم اي الدنيا(7). العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية المؤمنه(8) على عكس ما يبدو من بساطة سؤال: ما العلمانية؟ والذي تبدو الإجابة عنه أكثر بساطة، وحاضرة على الدوام باعتبار العلمانية هي "فصل الدين عن الدولة، أو أن يدع الناس ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، فإن عبد الوهاب المسيري يختلف مع هذه الرؤية، حين طرح العلمانية باعتبارها أكثر تركيبا وتداخلا إذ كان موقفه منها مستندا على إعادة تعريفاتها وتقسيماتها، ومن ثم دوائر تداخلها بالموقف الجديد في حيز النقاش بين العلمانيين أو الإسلاميين على حد سواء.. ففي الوقت الذي ينظر فيه الإسلاميون إلى العلمنة بوصفها ردة عن الإسلام، يعتبرها العلمانيون سبيل الديمقراطية والتقدم والرفاه. لكن المسيري له نظرة أخرى، فهو يرى في العلمنة بنية كامنة خلف هذه التفاصيل الصغيرة والجزئية، وتبدو هذه البنية الكامنة في أدق شؤون الحياة حتى وإن ابتعدت عن السياسة والاقتصاد، فالإعلانات الإباحية وإن لم تدخل في صلب السياسة فهي نوع من العلمنة بما تنزعه من القداسة عن الإنسان وتحوله إلى إنسان اقتصادي أو جسماني أو إنسان ذي بُعد واحد على حد تعبير هربرت ماركوز. وفيما يتعلق بالعلمنة، فإن المسيري يحاول التمييز بينها على مستويين، الأول مستوى صغير وهو دائرة العلمانية الجزئية، والثاني دائرة أكبر تحيط بها وهي العلمانية الكلية أو الشاملة. ويرى أن مجالات فصل الديني عن السياسي والتمايز بين الاقتصاد والدين يدخل في دائرة العلمنة الأولى، أي العلمانية الجزئية. بيد أن الوقوف عند العلمنة عند هذا الحد إنما هو تسطيح للعلمنة ذاتها، إذ يتغاضى هذا المنظور عن المرجعية النهائية لمتتالية العلمنة. فالعلمنة هي مفهوم ذو فكرة كُليّة شاملة وليست مجرد أدوات جزئية أو إجرائية، والعلمانية الشاملة في طبيعتها ذات موقف مناقض للمقدس سواء كان دينيّا أو أخلاقيّا، فلا تعني العلمانية الشاملة فصل الدين عن الحياة الاجتماعية والسياسية وحسب، وإنما تعني حلول مُقدس وضعي محل الدين عن طريق الإجابة الشاملة والنهائية لمناحي الحياة عوضا عن الإجابات التي يُمليها الدين. "إن هذا الأمر ليس مقصورا على النظم الدينية، فبعض النُظم تدور في إطار فلسفي مادي صرف، ومن ثم يمكن تسميتها إلحادية، مثل النظام النازي في ألمانيا، والفاشي في إيطاليا، والستاليني في روسيا، لكنها أفرزت مؤسسات الحزب والدولة والتي كانت تتصرف باعتبارها تجسيدا للمطلق وتعبيرا عنه، بل كانت تحتكر لنفسها حق نقل الكلمة المقدسة والتفسير الصحيح والوحيد" .ومن هذا المنطلق يُفرّق المسيري بين العلمانية الجزئية والكلية الشاملة، ويرى النظر إلى العلمنة باعتبارها معاملات إجرائية (علمانية جزئية) دون رؤيتها كبنية كُلية للعالم (علمانية شاملة) هو ما يغيب عن ذهن المفكرين العرب سواء كانوا إسلاميين أو علمانيين. فعلى الرغم من الإشارة الدائمة والمتكررة في المعجم الغربي للعلمانية باعتبارها موقفا كُليا أو نهائيا من الحياة، فإن هذا المعنى هو ما يُغفل دوما في سجالات الإسلاميين والعلمانيين على حد سواء. ويرى المسيري أن الإسلاميين والعلمانيين يشتركون في نظرتهم للعلمانية، إذ يُقصرونها على التعريفات الإجرائية والتي لا تُشير صراحة إلى المضمون الشامل، الذي يُجرد الإنسان من معاني الإنسانية(8). المصادر 1. الحوالي، سفر بن عبدالرحمن. العلمانيه- رسالة ماجستير – جامعة ام القرى. https://www.noor-book.com 2. شاهين، عبدالصبور. العلمانية - تاريخ الكلمة، ص124، مقال ملحق ضمن كتاب أحمد فرج (جذور العلمانية )، الوفاء للطباعة والنشر، 1987م. 3. عطا، سامي. ما العلمانية ؟ https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/09/20/42428.html 4. يوسف، سامية. وهم العلمانية وضلالة العلمانيين. https://www.kutub-pdf.net/book 5. بشارة، عزمي. الدين والعلمانية في سياق تاريخي،جزئين، https://www.books4arab.com 6. ابن المقفع، سايروس. مصباح العقل تقديم وتحقيق الاب سمير خليل سلسلة التراث العربي المسيحي مطبعة دار العالم العربي القاهرة 1978 ص 92-95. 7. طراببيشي جورج. هرطقات عن الديمقراطية والعلمانية والحداثة. https://ketabpedia.com 8. المسيري، عبدالوهاب. العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة.الكتاب صدر في طبعتين عن دار الشروق القاهرة 2002 في جزئين، الجزء الأول يتناول الجانب النظري بينما يتناول الثاني الجانب التطبيقي0 (مراجعة محمد فتوح في شبكة الجزيرة). 9. راشد الغنوشي –الجزيرة- https://www.aljazeera.net/opinions 10 . يوسف القرضاوي. الاسلام والعلمانية وجها لوجه. ص 46 https://www.noor-book.com

التعليقات على خبر: العلمانية المؤمنة -الجزء الثاني

حمل التطبيق الأن